الأحد , 22 ديسمبر 2024

السفير شورتر:أنني مدافع عن لبنان كما في المملكة المتحدة غالبا في الخط الأمامي

وزعت السفارة البريطانية مدونة للسفير هوغو شورتر تحت عنوان “لبنان بعد عام ونصف”، جاء فيها: “كان ذلك في يوم سبت هو ليس بالبعيد، حين دارت مناقشة مثيرة للاهتمام، وبرأيي كانت تقنية نوعا ما عن الاقتصاد اللبناني، رافقتها اللبنة والزعتر والبيض المسلوق؛ فما لبث بعدها أن حل مكان فنجان الشاي الأخضر فنجان الإسبرسو الساخن. وعندما دارت علبة السيجار، لم أتردد، إذ قد حان وقت أحد سيجارات مضيفي وإن لم تدق الساعة العاشرة صباحا بعد.

أظن أنها اللحظة التي كانت لتعتبر قبل أجيال خلت أول مظهر من مظاهر المرض الديبلوماسي الخطير المعروف ب”صار ابن البلد”. يجتاحك هذا الاعتلال كونك ديبلوماسيا آتيا من الخارج، ربما لكثرة اعتناقك العاطفي للغة ولتاريخ وثقافة البلد الذي تدرسه لفترة من الزمن أو لا سيما لانغوائك بملذات أخاذة لعمل موقت ولكن ممتع. والعارض الأساسي لتحول الديبلوماسي إلى “ابن البلد” هو أن يمثل مصالح البلد المضيف (أي لبنان) في لندن وليس العكس. ولا يخفى أن يزدري هذه الحالة – ولو أنهم يتمنونها خفية – الزملاء الأقل حظا المأسورين بالمنافسة في لندن وهم يتوقون في الوقت عينه لمناخات أكثر إشراقا. غير أن ديبلوماسيي اليوم قد يقلقهم العكس، أي هل يخرجون بما فيه الكفاية – من دون الإفراط بذلك؟ يتنازعهم بريدهم الألكتروني المنتفخ والاجتماعات عبر الفيديو مع عواصمهم، والاستثمار اللازم من حيث الوقت والجهد من أجل معرفةٍ أفضل للبلد والمجتمع المضيف.

لبنان من هذه الناحية هو كالحلم. حتى وإن بطبيعة عملك كسفير تجد نفسك تمضي نهارك أمام الكمبيوتر في المكتب، ففي كل مساء تسنح لك الفرصة أن تستمتع بضيافة اللبنانيين الدافئة والكريمة، أن تلتقي صناعيين، ومصرفيين، وصحافيين، ووزراء وإعلاميين. وأنك لا تتعرف بمختلف أطياف اللبنانيين فحسب مقدرا بسرعة فضولهم الفكري وطاقتهم وحس الفكاهة لديهم وإنما تكون سعيد الحظ أيضا للتعرف والوقوع في حب المائدة اللبنانية.

وأحب الأحاديث إلى قلبي في تلك العشوات هي قصص الانتقال من حالة الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش للمقاولين اللبنانيين، منهم من بدأ كبائع متجول للأقلام والدبابيس وملاقط الغسيل لتصبح الشركات التي أسسها في المكسيك ونيجيرا والعراق إلخ توظف عشرات الآلاف من الناس حول العالم. تبين هذه القصص الكثير من الميزات اللبنانية: المرونة والقدرة على التأقلم، وروح المقاولة القوية، والاستعداد للمخاطرة، ممزوجة في الأغلب بمهارات تقنية عالية.

ولكن هذه الروح موجودة أيضا في الداخل اللبناني، وليس فقط في الخارج. أذكر دوما لقائي أحد المقاولين في البقاع، صاحب عمل عائلي، وهو من أقدم صانعي البوظة العربية في لبنان، الذي عانت شركته من هوية ضعيفة للعلامة التجارية للمادة التي يصنعها ومن طريقة تصنيع وعملية تعليب محدودة. إذ استطاع بفضل أحد برامجنا لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن يوسع تجارته عبر زيادة الانتاج وتقليص الهدر ومضاعفة نقاط البيع لتبلغ 1500، موظفا نتيجة ذلك 7 أفراد إضافيين في فريقه. ومثال ملفت آخر للبراعة التقنية والابتكارية هي طريقة اعتماد الجيش اللبناني للمروحيات في تقوية قدرته على المواجهة الميدانية – من خلال ورش العمل التي أقامها مستخدما أفراد طاقمه وإعادة تدوير أدواته الخاصة (بما فيها – وأنا أعتز بذلك – مدفعية أوجدها من محاربات بريطانية قديمة يمتلكها). في الواقع، لبنان مليء بأبطال غير معروفين: بمن فيهم الجيش اللبناني وقوى الأمن الذين يحمون الحدود ويقاومون الإرهاب، إلى من ينهض بالأعمال في ظل مناخ اقتصادي صعب، ومن يوسع ميزانيته العائلية ليؤمن لأولاده أفضل ما يمكن لانطلاقتهم في الحياة، أو من يعمل جاهدا في المدارس والمستشفيات والمنظمات غير الحكومية لتعليم ومعالجة ودعم المجتمعات اللبنانية والسورية الضعيفة على حد سواء. ومن أكثر الأمور التي تدعو للفخر في كوني سفير بريطاني في لبنان هي القدرة على مساعدة وملاقاة الكثير من أولئك الذين يجاهدون لجعل وطنهم مكانا أفضل للعيش: أكانوا مزارعين أو صيادين أو معلمين أو جنود أو بارعين في مجال التكنولوجيا. قد جلت في لبنان برا وجوا من شماله إلى جنوبه، وأنا تبهرني قدرة هذا البلد المتجددة دوما في خلق المواهب، وفرادته وتنوعه.

أما في ما يخص “ابن البلد”، فأنا اليوم أعترف بأنني مدافع عن لبنان – كما في المملكة المتحدة – غالبا في الخط الأمامي في المؤتمرات الدولية أجاهر لأصدقائنا وحلفائنا حاشدا الآخرين للقيام بالمزيد لدعم هذا البلد.

لا أستطيع التكلم عن أشهري الثمانية عشر الأولى في لبنان من دون أن أذكر الثقافة أيضا – هذه التجربة التي توقعك بغرام هذا البلد. كرم شعبه الذي تخطى الحدود للترحيب بي وبزوجتي وعائلتي.

إني على يقين أنه علي تعلم المزيد، وأن أعمل أكثر لأعيش هذا البلد. لذلك بدأت بدروس باللغة العربية، التي لم تجعلني بعد متكلما طليقا للغة في ليلة وضحاها وإنما آمل أن تساعدني في المرة المقبلة التي أزور فيها ضيعا ومزارع وبلديات لبنانية تستفيد من دعم المملكة المتحدة. في النهاية، تعي أنك أصبحت فعلا تترسخ في لبنان حين تجد نفسك تتكلم لغتين في جملة واحدة – أو حين تنهي وجبة فطورك بسيجار!”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *