الخميس , 26 ديسمبر 2024

بهية الحريري في اختتام فعاليات جائزة سليم غزال: وثيقة الاخاء الانسانية حد فاصل تجعل من الإنسان غاية نبيلة لكل الأديان

اختتمت لجنة “جائزة المطران سليم غزال للحوار والسلم الأهلي” فعاليات الجائزة للعام 2019، برعاية رئيسة لجنة التربية والثقافة النيابية النائبة بهية الحريري، والتي نظمتها بالتعاون مع مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة والشبكة المدرسية لصيدا والجوار وحلقة التنمية والحوار، تخليدا لذكرى المطران الراحل سليم غزال. وتمحورت هذا العام حول “وثيقة الإخاء الإنساني من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” التي وقعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب. وشارك فيها طلاب من 53 ثانوية ومدرسة رسمية وخاصة من كل لبنان توزعوا على ورش عمل متزامنة حول “ثقافة الحوار” أدارها أستاذ ومدير ماستر الديبلوماسية والمفاوضات الدولية في جامعة الحكمة الدكتور سليم الصايغ، وجرت خلالها مناقشة الوثيقة انطلاقا من مسيرة ورسالة المطران الراحل سليم غزال في الحوار.

وكان الحفل اقيم، في مركز التنمية والحوار – في مجدليون، حضره الى جانب الحريري والصايغ، النائب علي عسيران، ممثل النائب ميشال موسى، السفير البابوي جوزيف سبيتاري، مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان، مفتي صيدا والزهراني الجعفري الشيخ محمد عسيران، راعي ابرشي صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران ايلي حداد، رئيس اساقفة صيدا ودير القمر للموارنة المطران مارون العمار، النائب السابق امل ابو زيد، البطريرك السابق لأنطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، الرئيس العام للرهبانية المخلصية الأرشمندريت انطوان ديب، الرئيسة العامة للراهبات المخلصيات الأم منى وازن، رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية الدكتور بسام حمود، ممثل “حزب الله” احمد السارجي، رئيس المجمع الثقافي الجعفري الشيخ محمد حسين الحاج، السفير عبد المولى الصلح ورؤساء بلديات وممثلون عن المدارس المشاركة وفاعليات تربوية واجتماعية واهلية واسرة حلقة التنمية والحوار.

بعد النشيد الوطني القى امين عام الشبكة المدرسية نبيل بواب كلمة رحب فيها بالحضور وقال: “صباح الخير لحضور في المحبة ابونا سليم ، صباح الخير فوق بياض طلتك البهية وعيوننا على الطريق السوية معا، نتابع خطاك في مبتدأ الترحيب وخبر التحيات وقيم الأخوة الانسانية، والناس التي عاشت معك وعشت معهم على الألفة والمحبة في احلك الظروف، هنا اليوم جائزة المطران سليم غزال نعلنها مع رفاق دربك اصحاب السماحة والفضيلة والسيادة، من هنا اطلقت النائبة بهية الحريري المبادرة للحوار والسلم الأهلي. فالسلام لإسمك يكتب حضور المواعيد والأخوة الانسانية وثيقة تفاهم مدى الحياة”.

ثم تحدث رئيس حلقة التنمية والحوار اميل اسكندر فقال: “في الخامس والعشرين من كانون الثاني سنة 1959 وبعد تسعين يوما من انتخابه على رأس السدة البابوية القى البابا يوحنا الثالث والعشرون خطبة أعلن فيها عزمه على دعوة الأساقفة الكاثوليك في العالم للحضور إلى الفاتيكان من أجل المشاركة في مجمع مسكوني ثان لم يكن الهدف منه كما جرت العادة سابقا لتفنيد بدعة أو البت في مسألة تأديبية على مستوى الكنيسة، وإنما كانت غايته الأساسية كما صرح البابا نفسه: “إزالة تجاعيد الهرم والشيخوخة عن وجه الكنيسة وإعادة بهائها وشبابها إليها من خلال تجديد دورها ورسالتها وتحديد مواقفها من قضايا العالم المعاصر”.

واضاف: “شاءت الصدف أن يكون انعقاد هذا المجمع المسكوني في الفترة الزمنية التي ارتسم فيها الشاب سليم غزال كاهنا على مذابح أبرشية صيدا للروم الكاثوليك في العام 1958، وإذا به أمام قرارات المجمع التي صدرت لاحقا في عهد البابا بولس السادس سنة 1965 والتي ركزت على دور العلمانيين في الكنيسة وعلاقة الكنيسة بالأديان الأخرى. ومن خلال عمله كرسول متجول في أبرشية صيدا سارع الأب سليم الكاهن الجديد إلى نشر هذه المبادئ في المدارس الرسمية والخاصة التي كان يزورها لتأمين التعليم الديني فيها بصحبة أحد المشايخ من مدينة صيدا حيث كانوا يتبادلون الصفوف أمام الطلاب المسلمين والمسيحيين مما خلق أجواء من الثقة والصداقة، وفي القرى حيث أسس حركة رسالة الأولاد وحركة الشبيبة الطالبة المسيحية التي انتشرت في معظم المدارس والمناطق الجنوبية. هل كان يعلم هذا الكاهن الجديد أنه بعد ستين عاما من انطلاقة عمله في مدينة صيدا ومحيطها مع العلمانيين في الكنيسة وبعد هذه السنوات الطويلة سوف يحضر رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس شخصيا إلى هذا الشرق، إلى إمارة أبو ظبي مهد الدعوة الإسلامية، ليلتقي أعلى مرجعية إسلامية شيخ الأزهر أحمد الطيب ومعا يطلقان وثيقة الأخوة الإنسانية التي تحمل الكثير من العناوين التي آمن بها”.

ورأى اسكندر ان “أهمية هذه الوثيقة لا تكمن في تسليط الضوء على القيم التي ينادى بها الإسلام والمسيحية لأن الإسلام نفسه دعا إلى التآخي والسلام بين الناس: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وفي المسيحية “طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يدعون، والمجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”. ولكن أهميتها الفعلية تأتي من الإعلان المشترك بلسان أعلى مرجعيتين دينيتين في العالم وفي لحظة تاريخية يشتد فيها الصراع ويفتك العنف بالناس الأبرياء من نساء وشيوخ وأطفال، باسم الله تارة وباسم الدين تارة أخرى، والله اله محبة وسلام والدين من كل هؤلاء براء فهم أصحاب ايديولوجيات سياسية وعنصرية قبيحة وبعيدة كل البعد عن الإيمان والشرائع السماوية”.

وقال: “هنا أود أن أشير إلى رغبة أو أمنية طالما أراد المطران سليم أن تتحقق ففي العام 1985 وفي ذروة العنف والتطرف أثناء الحرب اللبنانية وما آلت إليه أوضاع العيش المشترك في مدينة صيدا ومحيطها إثر أحداث أليمة، وقف الأب سليم في وجه هذه الممارسات ورفع الصوت بدون خوف أو مسايرة، مطلقا نداءه الشهير الذي جاء فيه: “ألم يحن الوقت بعد ليقبل المسلمون والمسيحيون معا على مرحلة جديدة من التاريخ للحفاظ على الروابط الروحية والوطنية والإنسانية التي تجمعهم؟ إننا بانتظار اليوم الذي يشرق فيه السلام ويتوقف العنف وينتصر الحق…وها قد أتى هذا اليوم عبر هذه الوثيقة التاريخية بين أعلى مرجعيتين روحيتين لتتحقق أمنية المطران سليم غزال بعد 34 عاما وكأنه مع آخرين كان يمهد الطريق إلى مثل هذا اليوم للتلاقي بين الشرق والغرب والجنوب والشمال وبين كل الناس أخوة متحابين بدون تفرقة أو تمييز”.

وشكر اسكندر النائبة الحريري التي كان لها الفضل في إطلاق هذه الجائزة منذ العام 2012 بعد وفاة المطران بسنة واحدة، بالشراكة مع حلقة التنمية والحوار التي هي امتداد لنهج المطران سليم غزال في هذه المنطقة والى السفير البابوي المونسنيور جوزيف سبيتاري الذي شرفنا اليوم بحضوره معنا في هذه المناسبة الروحية والوطنية والإنسانية الجامعة، وأصحاب السعادة والمعالي وأصحاب السماحة والسيادة الأجلاء ورجال الدين وأخص الرهبانية المخلصية التي حضنت مشروع سليم غزال وقدمت الأرض لبناء هذا المركز الذي تديره حلقة التنمية والحوار، والى الدكتور سليم الصايغ الذي اشراف على عمل الطلاب حول هذه الوثيقة.

كما تقدم اسكندر بالشكر الى الهيئات العسكرية والاجتماعية والبلدية والاختيارية والجمعيات الأهلية والشبكة المدرسية والطلاب والمعلمين وكل الذين بذلوا الجهود من أعضاء الجمعية ومحترف الموزاييك والذين شاركوا معنا اليوم في تحويل هذه الوثيقة التاريخية إلى محطة جديدة في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية وهذ ما كان يتمناه المطران سليم غزال دائما كرسول للمحبة والسلام ورمز للانفتاح والعيش المشترك”.
السفير البابوي
ثم القى سبيتاري كلمة توجه فيها بالتحية الى منظمي هذه الاحتفالية والحضور، وقال: “بالأمس كنت في مدينة صيدا وكان بعضكم حاضرا معي، من اجل تسمية شارع باسم المونسنيور حنا حلو الذي كان لبنانيا مثل المطران سليم غزال والعديد من القادة الروحيين المسلمين والمسيحيين الذين آمنوا بالحوار والتعايش السلمي. لقد بقيا مقتنعين بأهمية هذه القيم الاساسية حتى خلال اللحظات العسيرة الرهيبة بفعل الحرب التي ضربت لبنان. ان لبنان يبرهن ان اصحاب العزيمة القوية يستطيعون العيش معا وفق مبادئ الاخوة حيث ان المصالحة متاحة وان احترام الاختلاف والتنوع لا يلغي حلولهم الايجابية. حقيقة ان لبنان لديه تاريخ طويل من التعايش السلمي. ويمكن لجميع المواطنين اللبنانيين أن ينظروا إلى وثيقة الاخاء الانساني على أنها تحد لتجديد التزامهم بالقيم الأساسية التي تشكل دولة الأرز . وبهذه الطريقة، سيظل لبنان أكثر من مجرد بلد، وسيكون رسالة ، رسالة حية لكل العالم. وكما قال البابا “لبنان رسالة موجهة الى العالم كله”. ان الجميع مدعو الى المشاركة في بناء الحضارة الجديدة التي تتعلق بالمشاركة ، المحبة والأخوة”.

واضاف: “يتوجب علينا ان نتجنب تكرار الخلط او المزج بين المساواة والتنوع. تعلمون ان الله خلقنا متساوين في الكرامة، لكنه أراد أن نكون مختلفين تماما كالنباتات والزهور مثلا. ان المساواة تعزز التنوع والتنوع ضمانة، كما أنها تجعل الحوار ممكنا وهذه هي النقطة الأساسية للوثيقة.

ايها الطلاب الاعزاء، لا زلتم في بداية حياتكم، عليكم ان تعلموا ان الحوار ممكن إذا فهمنا أولا ما نحن عليه. إذا كنا نحترم بعضنا بعضا، فلن نخاف من طرح أسئلة حول النقاط التي لا نفهمها عند الشخص الآخر، وهذا يضمن احترامنا لصداقتنا ويساعدنا على إدراك حدودنا بكل تواضع، كما يسمح لنا أيضًا بالسرور بتنوعنا، الامر الذي يجعل الحياة أكثر جمالا ويفتح الطريق أيضًا نحو حلول أكثر متعة. ايها الطلاب، تجنبوا المواجهة ودائما اختاروا طريق الحوار، وإظهار الاحترام للأصدقاء الآخرين الذين لديهم اديانا مختلفة او ينتمون الى تنظيمات اجتماعية او أحزاب سياسية مختلفة. علينا جميعا ان نتذكر ان الدستور اللبناني يقوم على الاعتراف بالآخر وبشكل اساسي حماية حقوق كل مواطن”.

الحريري
واعتبرت الحريري في كلمتها ان “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك التي وقعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب في 4 شباط 2019 تشكل حدا فاصلا بين ما تؤمن المجتمعات به من قيم سامية تجعل من الإنسان واستقراره وسلامته غاية نبيلة لكل الأديان وبين محاولات الإستخدام والإساءات للسلم الأهلي واستقرار المجتمعات بإسم الدين”.

وقالت: “إن هذه الوثيقة التي شكلت عمق تجربتنا الوطنية على مدى عقود طويلة..وتجسدت في إرادتنا لبناء دولتنا الوطنية العادلة والحاضنة لجميع أبنائها – هذه التجربة التي قال عنها قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني: أن لبنان رسالة وأكثر من وطن – .. إن هذه الوثيقة تشكل منعطفا تاريخيا لكل المجتمعات الإيمانية في العالم بجعلها وثيقة حية لدى الأجيال الصاعدة..تلك الثقافة العميقة التي شكلت مسار راحلنا الكبير المطران سليم غزال الذي لا يزال يجمعنا في كل عام لنجدد تأصيل ما عهدناه به من أخوة وحوار وسلام”، مثمنة “مبادرة جائزة المطران سليم غزال هذا العام باعتماد هذه الوثيقة الحدث إطارا لعملها ولتقديمها بكل تفاصيلها للأجيال الصاعدة لتكون كما جاء في الوثيقة بأن تصبح موضوع بحث”، آملة “من جميع المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والتربوية لتساعد على خلق أجيال جديدة تحمل الخير والسلام وتدافع عن حق المقهورين والمظلومين والبؤساء في كل مكان. وإننا نعتز بأن تكون صيدا هي أول مدينة في العالم تعمل على أساس هذا التوجه الملزم لوثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام والعيش المشترك . وإننا نرحب بحضور سعادة السفير البابوي جوزيف سبيتاري ونحمله خالص تقديرنا واحترامنا للجهود المميزة التي يقوم بها البابا من أجل الوحدة الإنسانية وبالذات فيما يختص بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف”.

وختمت الحريري كلمتها بتوجيه الشكر والتقدير الى “كل الشخصيات الروحية والمؤسسات المشاركة في إطلاق هذه الورشة السامية من أجل تعميق ثقافة السلام والحوار”، متمنية لجائزة المطران سليم غزال للحوار والسلم الأهلي “دوام النجاح والتألق والتجدد من أجل لبنان الرسالة، ولبنان الوطن، ولبنان الإنسان”.

التوصيات
بعد ذلك تلا عدد من الطلاب المشاركين في فعاليات جائزة المطران غزال لهذا العام توصيات ورش العمل المتزامنة حول “ثقافة الحوار ” والتي نصت على ما يلي:
– سن التشريعات القانونية التي تمنع التمييز بكل اشكاله وتحترم مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ومنع الاصطفاء على اساس الجنس او الدين او الانتماء السياسي.
– تنظيم دور الاعلام للقيام بدوره بما يتناسب ومبادئ “وثيقة الاخوة الانسانية”.
-تطوير وتعديل المناهج التعليمية وطرق التعليم بما يتناسب والتطورات العلمية والفكرية والتكنولوجية وبما يتناسب ويسمح بتطوير قدرات ومهارات الطالب وبناء شخصيته المجتمعية.
-ترسيخ مفاهيم المواطنة والمواطنية، وابتعاد رجال الدين عن الخطاب المتطرف.
-الحرية والوعي مسؤولية جماعية لا تنفصل عن التربية الصالحة في اسرنا وتربية نهوضوية في مجتماعتنا ومدارسنا.

فقرة غنائية تعبيرية
وبعد فقرة غنائية تعبيرية لكورال “مدرسة انجيليك صليبا الرسمية” ترافقهم الطفلة نايا حلاق، ومشهدية عن العيش المشترك لطالبات ثانوية راهبات مار يوسف الظهور – صيدا “، والتقاط الصورة التذكارية، قام الحضور بتوقيع وثيقة الأخوة الانسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك على لوحة مزخرفة من نتاج محترف “موزاييك” في المركز بإشراف فريدة خروبي بيضاوي . على ان يستمر التوقيع في الأيام والأسابيع اللاحقة من قبل شخصيات وهيئات وجمعيات من الجنوب ومختلف المناطق كأول مستند رسمي في لبنان موقع حول وثيقة الاخاء الانساني.

وتم تسليم كل مدرسة وكل طالب شهادة مشاركة باعتبارهم “سفراء الحوار والأخوة الانسانية والتسامح”.

عن Editor1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *